فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الثانية عشرة: محل الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وزفر ينبغي أن يكون مخصوصاً بما إذا قال: إن كلمتك فأنت طالق أما لو قال: إن تكلمت بكلمة فأنت طالق أو قال: إن نطقت أو قال: إن تلفظت بلفظة أو قال: إن قلت قولاً فأنت طالق وجب أن يكون الحق في جميع هذه المسائل قول زفر قولاً واحداً، والله أعلم.
هل يطلق الكلام على المهمل:
المسألة الثالثة عشرة: لفظ الكلمة والكلام هل يتناول المهمل أم لا؟ منهم من قال يتناوله لأنه يصح أن يقال الكلام منه مهمل ومنه مستعمل، ولأنه يصح أن يقال تكلم بكلام غير مفهوم، ولأن ا لمهمل يؤثر في السمع فيكون معنى التأثير والكلام حاصلاً فيه، ومنهم من قال الكلمة والكلام مختصان بالمفيد، إذ لو لم يعتبر هذا القيد لزم تجويز تسمية أصوات الطيور بالكلمة والكلام.
هل الأصوات الطبيعية تسمى كلاماً:
المسألة الرابعة عشرة: إذا حصلت أصوات متركبة تركيبًا يدل على المعاني إلا أن ذلك التركيب كان تركيباً طبيعياً لا وضعياً فهل يسمى مثل تلك الأصوات كلمة وكلاماً؟ مثل أن الإنسان عند الراحة أو الوجع قد يقول أخ، وعند السعال قد يقول أح أح، فهذه أصوات مركبة، وحروف مؤلفة، وهي دالة على معانٍ مخصوصة، لكن دلالتها على مدلولاتها بالطبع لا بالوضع، فهل تسمى أمثالها كلمات؟ وكذلك صوت القطا يشبه كأنه يقول قطا، وصوت اللقلق يشبه كأنه يقول لق لق، فأمثال هذه الأصوات هل تسمى كلمات؟ اختلفوا فيه، وما رأيت في الجانبين حجة معتبرة، وفائدة هذا البحث تظهر فيما إذا قال: إن سمعت كلمة فعبدي حر، فهل يترتب الحنث والبر على سماع هذه الألفاظ أم لا؟.
المسألة الخامسة عشرة: قال ابن جني: لفظ القول يقع على الكلام التام، وعلى الكلمة الواحدة، على سبيل الحقيقة، أما لفظ الكلام فمختص بالجملة التامة، ولفظ الكلمة مختص بالمفرد وحاصل كلامه في الفرق بين البابين أنا إذا بينا أن تركيب القول يدل على الخفة والسهولة وجب أن يتناول الكلمة الواحدة، أما تركيب الكلام فيفيد التأثير، وذلك لا يحصل إلا من الجملة التامة؛ إلا أن هذا يشكل بلفظ الكلمة، ومما يقوي ذلك قول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت قاف

سمى نطقها بمجرد القاف قولاً.
المسألة السادسة عشرة: قال أيضاً إن لفظ القول يصح جعله مجازاً عن الاعتقادات والآراء، كقولك: فلان يقول بقول أبي حنيفة، ويذهب إلى قول مالك، أي: يعتقد ما كانا يريانه ويقولان به، ألا ترى أنك لو سألت رجلاً عن صحة رؤية الله تعالى فقال: لا تجوز رؤيته، فتقول: هذا قول المعتزلة، ولا تقول هذا كلام المعتزلة إلا على سبيل التعسف، وذكر أن السبب في حسن هذا المجاز أن الاعتقاد لا يفهم إلا بغيره، فلما حصلت المشابهة من هذا الوجه لا جرم حصل سبب جعله مجازاً عنه.
يستعمل القول في غير النطق:
المسألة السابعة عشرة: لفظ قال قد يستعمل في غير النطق، قال أبو النجم:
قالت له الطير تقدم راشدا ** إنك لا ترجع إلا حامدا

وقال آخر:
وقالت له العينان سمعاً وطاعة ** وحدرتا كالدر لما يثقب

وقال:
امتلأ الحوض وقال: قطني ** مهلاً رويداً قد ملأت بطني

ويقال في المثل: قال الجدار للوتد لم تشقني، قال: سل من يدقني، فإن الذي ورايى ما خلاني ورايى، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَئ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] وقوله تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلاْرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11].
المسألة الثامنة عشرة: الذين ينكرون كلام النفس اتفقوا على أن الكلام والقول اسم لهذه الألفاظ والكلمات، أما مثبتو كلام النفس فقد اتفقوا على أن ذلك المعنى النفساني يسمى بالكلام وبالقول، واحتجوا عليه بالقرآن والأثر والشعر: أما القرآن فقوله تعالى: {والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1] وظاهر أنهم ما كانوا كاذبين في اللفظ لأنهم أخبروا أن محمداً رسول الله وكانوا صادقين فيه، فوجب أن يقال إنهم كانوا كاذبين في كلام آخر سوى اللفظ وما هو إلا كلام النفس، ولقائل أن يقول: لا نسلم أنهم ما كانوا كاذبين في القول اللساني، قوله: أخبروا أن محمداً رسول الله قلنا: لا نسلم بل أخبروا عن كونهم شاهدين بأن محمداً رسول الله، لأنهم كانوا قالوا: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} [المنافقون: 1] والشهادة لا تحصل إلا مع العلم، وهم ما كانوا عالمين به، فثبت أنهم كانوا كاذبين، فيما أخبروا عنه بالقول اللساني، وأما الأثر فما نقل أن عمر قال يوم السقيفة: كنت قد زورت في نفسي كلاماً فسبقني إليه أبو بكر، وأما الشاعر فقول الأخطل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ** جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وأما اللذين أنكروا كون المعنى القائم بالنفس يسمى بالكلام فقد احتجوا عليه بأن من لم ينطق ولم يتلفظ بالحروف يقال إنه لم يتكلم، وأيضاً الحنث والبر يتعلق بهذه الألفاظ، ومن أصحابنا من قال: اسم القول والكلام مشترك بين المعنى النفساني وبين اللفظ اللساني.
المسألة التاسعة عشرة: هذه الكلمات والعبارات قد تسمى أحاديث، قال الله تعالى: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ} [الطور: 34] والسبب في هذه التسمية أن هذه الكلمات إنما تتركب من الحروف المتعاقبة المتوالية فكل واحد من تلك الحروف يحدث عقيب صاحبه، فلهذا السبب سميت بالحديث ويمكن أيضاً أن يكون السبب في هذه التسمية أن سماعها يحدث في القلوب العلوم والمعاني، والله أعلم.
المسألة العشرون: هاهنا ألفاظ كثيرة، فأحدها: الكلمة.
وثانيها: الكلام.
وثالثها: القول.
ورابعها: اللفظ.
وخامسها: العبارة.
وسادسها: الحديث، وقد شرحناها بأسرها.
وسابعها: النطق ويجب البحث عن كيفية اشتقاقه، وأنه هل هو مرادف لبعض تلك الألفاظ المذكورة أو مباين لها، وبتقدير حصول المباينة فما الفرق.
المسألة الحادية والعشرون: في حد الكلمة، قال الزمخشري في أول المفصل: الكلمة هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع.
وهذا التعريف ليس بجيد، لأن صيغة الماضي كلمة مع أنها لا تدل على معنى مفرد بالوضع، فهذا التعريف غلط، لأنها دالة على أمرين: حدث وزمان وكذا القول في أسماء الأفعال، كقولنا: مه، وصه، وسبب الغلط أنه كان يجب عليه جعل المفرد صفة للفظ، فغلط وجعله صفة للمعنى.
اللفظ مهمل ومستعمل وأقسامه:
المسألة الثانية والعشرون: اللفظ إما أن يكون مهملاً، وهو معلوم، أو مستعملاً وهو على ثلاثة أقسام: أحدها: أن لا يدل شيء من أجزائه على شيء من المعاني ألبتة، وهذا هو اللفظ المفرد كقولنا فرس وجمل.
وثانيها: أن لا يدل شيء من أجزائه على شيء أصلاً حين هو جزؤه أما باعتبار آخر فإنه يحصل لأجزائه دلالة على المعاني، كقولنا: عبد الله فإنا إذا اعتبرنا هذا المجموع اسم علم لم يحصل لشيء من أجزائه دلالة على شيء أصلاً، أما إذا جعلناه مضافاً ومضافاً إليه فإنه يحصل لكل واحد من جزأيه دلالة على شيء آخر، وهذا القسم نسميه بالمركب.
وثالثها: أن يحصل لكل واحد من جزأيه دلالة على مدلول آخر على جميع الاعتبارات، وهو كقولنا: العالم حادث، والسماء كرة، وزيد منطلق وهذا نسميه بالمؤلف.
المسموع المقيد وأقسامه:
المسألة الثالثة والعشرون: المسموع المفيد ينقسم إلى أربعة أقسام: لأنه إما أن يكون اللفظ مؤلفاً والمعنى مؤلفاً كقولنا: الإنسان حيوان، وغلام زيد وإما أن يكون المسموع مفرداً والمعنى مفرداً، وهو كقولنا: الوحدة والنقطة بل قولنا: الله سبحانه وتعالى، وإما أن يكون اللفظ مفرداً والمعنى مؤلفاً وهو كقولك: إنسان فإن للفظ مفرد والمعنى ماهية مركبة من أمور كثيرة، وإما أن يكون اللفظ مركباً والمعنى مفرداً، وهو محال.
المسألة الرابعة والعشرون: الكلمة هي اللفظة المفردة الدالة بالاصطلاح على معنى، وهذا التعريف مركب من قيود أربعة:
فالقيد الأول: كونه لفظاً.
والثاني: كونه مفرداً، وقد عرفتهما.
والثالث: كونه دالاً وهو احتراز عن المهملات.
والرابع: كونه دالاً بالاصطلاح وسنقيم الدلالة على أن دلالات الألفاظ وضعية لا ذاتية.
المسألة الخامسة والعشرون: قيل: الكلمة صوت مفرد دال على معنى بالوضع: قال أبو علي بن سينا في كتاب الأوسط: وهذا غير جائز لأن الصوت مادة واللفظ جنس، وذكر الجنس أولى من ذكر المادة، وله كلمات دقيقة في الفرق بين المادة والجنس، ومع دقتها فهي ضعيفة قد بينا وجه ضعفها في العقليات، وأقول: السبب عندي في أنه لا يجوز ذكر الصوت أن الصوت ينقسم إلى صوت الحيوان وإلى غيره، وصوت الإنسان ينقسم إلى ما يحدث من حلقه وإلى غيره، والصوت الحادث من الحلق ينقسم إلى ما يكون حدوثه مخصوصاً بأحوال مخصوصة مثل هذه الحروف، وإلى ما لا يكون كذلك مثل الأصوات الحادثة عند الأوجاع والراحات والسعال وغيرها، فالصوت جنس بعيد، واللفظ جنس قريب، وإيراد الجنس القريب أولى من الجنس البعيد.
المسألة السادسة والعشرون: قالت المعتزلة: الشرط في كون الكلمة مفيدة أن تكون مركبة من حرفين فصاعداً، فنقضوه بقولهم: ق وع وأجيب عنه بأنه مركب في التقدير فإن الأصل أن يقال: قي وعي بدليل أن عند التثنية يقال: قيا وعيا وأجيب عن هذا الجواب بأن ذلك مقدر، أما الواقع فحرف واحد، وأيضاً نقضوه بلام التعريف وبنون التنوين وبالإضافة فإنها بأسرها حروف مفيدة، والحرف نوع داخل تحت جنس الكلمة، ومتى صدق النوع فقد صدق الجنس، فهذه الحروف كلمات مع أنها غير مركبة.
المسألة السابعة والعشرون: الأولى أن يقال: كل منطوق به أفاد شيئاً بالوضع فهو كلمة وعلى هذا التقدير يدخل فيه المفرد والمركب، وبقولنا: منطوق به، يقع الاحتراز عن الخط والإشارة.
دلالة اللفظ على معناه غير ذاتية:
المسألة الثامنة والعشرون: دلالة الألفاظ على مدلولاتها ليست ذاتية حقيقية، خلافاً لعباد.
لنا أنها تتغير باختلاف الأمكنة والأزمنة، والذاتيات لا تكون كذلك، حجة عباد أنه لو لم تحصل مناسبات مخصوصة بين الألفاظ المعينة والمعاني المعينة وإلا لزم أن يكون تخصيص كل واحد منها بمسماه ترجيحاً للممكن من غير مرجح، وهو محال، وجوابنا أنه ينتقض باختصاص حدوث العالم بوقت معين دون ما قبله وما بعده، وإلا لم يرجح، ويشكل أيضاً باختصاص كل إنسان باسم علمه المعين.
المسألة التاسعة والعشرون: وقد يتفق في بعض الألفاظ كونه مناسباً لمعناه مثل تسميتهم القطا بهذا الاسم، لأن هذا اللفظ يشبه صوته، وكذا القول في اللقلق، وأيضاً وضعوا لفظ الخضم لأكل الرطب نحو البطيخ والقثاء، ولفظ القضم لأكل اليابس نحو قضمت الدابة شعيرها، لأن حرف الخاء يشبه صوت أكل الشيء الرطب وحرف القاف يشبه صوت أكل الشيء اليابس، ولهذا الباب أمثلة كثيرة ذكرها ابن جني في الخصائص.
اللغة إلهام:
المسألة الثلاثون: لا يمكننا القطع بأن دلالة الألفاظ توقيفية، ومنهم من قطع به، واحتج فيه بالعقل والنقل: أما العقل فهو أن وضع الألفاظ المخصوصة للمعاني المخصوصة لا يمكن إلا بالقول، فلو كان ذلك القول بوضع آخر من جانبهم لزم أن يكون كل وضع مسبوقاً بوضع آخر لا إلى نهاية، وهو محال، فوجب الانتهاء إلى ما حصل بتوقيف الله تعالى، وأما النقل فقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا} [البقرة: 31] وأجيب عن الأول بأنه لِمَ لا يجوز أن يكون وضع الألفاظ للمعاني يحصل بالإشارة؟ وعن الثاني لِمَ لا يجوز أن يكون المراد من التعليم الإلهام؟ وأيضاً لعل هذه اللغات وضعها أقوام كانوا قبل آدم عليه السلام، ثم إنه تعالى علمها لآدم عليه السلام.